مهمة ولاية الفقيه
لا خلاف بين العلماء المحققين في أنه بناء على الإستدلال لولاية الفقيه بالنصوص، يكون الثابت للفقيه جميع ما ثبت للمعصوم من حيث هو قائد وحاكم، ويستثنى من ذلك الصلاحيات التي كانت للمعصوم عليه السلام من حيث هو معصوم.
لا خلاف بين العلماء المحققين في أنه بناء على الإستدلال لولاية الفقيه بالنصوص، يكون الثابت للفقيه جميع ما ثبت للمعصوم من حيث هو قائد وحاكم، ويستثنى من ذلك الصلاحيات التي كانت للمعصوم عليه السلام من حيث هو معصوم.
ويمثل لهذا الإستثناء بما قاله المشهور من علمائنا في مسألة إعلان الجهاد الإبتدائي، حيث قيل إن هذا الأمر من مختصات المعصوم، ولا يمكن تطبيقه في غير حال حضوره، سواء أقيمت حكومة إسلامية أم لا.
كما يمكن أن يمثل له بأن المعصوم يعين الإمام اللاحق له بينما الفقيه لا يملك هذا الحق، وذلك لأن ثبوت ذلك الحق للمعصوم كان ناشئاً من عصمته ومن عدم إمكان خطئه في تعيينه، وأن تعيين المعصوم يكشف عن تعلق إرادة الله تعالى بالمعيّن.
طرق معرفة الصلاحيات
ولذا لا بد من البحث لمعرفة وتحديد الصلاحيات التي ثبتت للحاكم في الإسلام. ولا بد في البداية من تحديد الطرق التي يمكن من خلالها استكشاف تلك الصلاحيات.
ويمكن تلخيصها بالطرق التالية:
أحدها: البحث التاريخي فيما قام به الرسول لله والإمام علي عليه السلام وما تحملاه من مسؤوليات على مستوى الحكم والإدارة.
ثانيها: ملاحظة النصوص المعتبرة لمعرفة الصلاحيات المنصوص عليها أو المدلول عليها بالملازمة التي قد تستبطنها بعض النصوص، فإن كل نص ذكر صلاحيات الحاكم بعنوان الإمام أو أمير، يكون شاملاً لكل حاكم شرعي في الإسلام، ونذكر نموذجاً لذلك رواية من نهج البلاغة:
فعن أمير المؤمنين عليه السلام في رده على مقالة الخوارج: “لا حكم إلا لله”: قال عليه السلام: “كلمة حق يراد بها باطل! نعم إنه لا حكم إلاّ لله” ولكن هؤلاء يقولون: “لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع بها الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر”(1).
ثالثها: الإستماع إلى صوت العقل فيما يقرره من ضرورات على مستوى الحكم والإدارة واحتياجات لا بد فيها من ولي.
رابعها: ملاحظة الأمور التي علم من الشرع إرادته لوجودها في مستوى الحكم والإدارة، وعلى مستوى تنظيم شؤون المجتمعات مما لم يوكل الأمر فيها إلى شخص محدد.
تحديد الصلاحيات
وإذا اعتمدنا هذه الطرق يمكننا أستخلاص ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
1- فهو العين الساهرة على تطبيق الأحكام الإسلامية والنظام الإسلامي.
2- وهو المسئول السياسي الأول عن اتخاذ جميع القرارات السياسية، والمسؤول عن تعيين الأشخاص في المواقع السياسية التي يحتاجها المجتمع ونظام الدولة، فبمقدوره الإستغناء عن رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة وعن مجلس النواب ومجلس تشريعي، وبمقدوره تعيين كل ذلك، كما أن له أن يتنازل عن بعض هذه الصلاحيات فيقبل بانتخاب رئيس الجمهورية ونواب يكون مجلسهم هو المجلس التشريعي، ويمكنه أن يشرط ذلك بموافقته وقد لا يشترط بأن يكون هناك إمضاء عام من قبله لكل من ينتخبه الشعب، بلا حاجة إلى إمضاء خاص جديد بعد الإنتخاب.
وبالإمضاء نتخلص من بعض المشكلات التي قد تعترض طريقة انتخاب رئيس الجمهورية، شكلة هي في تحديد الموقف الشرعي لهؤلاء الذين لم ينتخبوه، والتخلص منها يكون بأن إمضاء ولي الأمر هو الملزم للجميع بمقتضى ولايته.
3- وهو صاحب القرار العسكري أي القائد العام للقوات المسلحة وجميع تشكيلاتها التنظيمية، وبالتالي فهو صاحب قرار الصلح والحرب والمسؤول عن تحصين الثغور وتأمين القوة الجاهزة لدفع الأعداء.
4- وهو المسؤول عن أمن نفوس الناس وأموالهم وأعراضهم.
5- وهو الولي على جميع الأموال الشرعية بما فيها الخمس والأنفال، والمسئول عن جبايتها، وهو و وارث من لا وارث له.
6- وهو المسؤول الأول عن القضاء، وبيده إجراء الحدود وتقنين العقوبات، وتعيين القضاة في البلاد والأمصار.
7- وهو الذي يراقب الوضع الإقتصادي بما فيها الملكية الفردية، وينظر فيما إذا كانت هناك حالات استغلال لأفراد المجتمع من قبل بعض الأغنياء، أو ما إذا كان هناك غنى فاحش إلى درجة تؤدي إلى اختلال الموازين الإجتماعية بما يتنافى مع العدل، وبما يؤدي إلى ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فيتدخل الولي ويحدد سقفا للملكية الفردية حسب كل زمان ومكان.
قال الإمام الخميني قدس سره في كلمة أوردها في تاريخ 1358/8 /14هـ. ش:
(ان الملكية الشخصية إنما تكون محترمة اذا كانت مشروعة، ولكن من صلاحيات الولي الفقيه التدخل وتحديد الملكية الشخصية حتى وإن كانت مشروعة، فالإسلام لا يعترف بالملكية الواسعة جدا وان كانت قد تجمعت من طريق مشروع، بل هناك حدود لهذه الملكية المشروعة ويحق للفقيه الحاكم الشرعي مصادرة ما يزيد عنها، والتشخيص في هذا الموضوع متروك إليه)
8- كما أن الولي الفقيه يمنع انحصار استغلال الطبيعة بفرد واحد أو أفراد قليلين، ويمنع الإحتكار ويصدر جميع الأحكام التي من شأنها تأسيس العدل الإجتماعي وعزة المسلمين، سواء على المستوى الداخلي أم على مستوى العلاقات الخارجية وأحكامه تكون مقدمة على جميع الأحكام الأولية.
قال الامام الخميني قدس سره في رسالة كتبت بتاريخ 136 /10 /16هـ. ش.ما خلاصته:
(لو كانت صلاحيات الحكومة محكومة بسقف الأحكام الفرعية الإلهية الكلية يصبح جعل الحكومة الإلهية والولاية المفوضة لنبي الإسلام لله لغواً، وسيسبب ارتباكات على المستوى العملي لا يمكن لأحد ان يلتزم بها، كشق الشارع المستلزم للتصرف في منزل، فان مقتضى الأحكام الفرعية الكلية هو عدم جواز هذا التصرف، ومثل نظام التجنيد الإجباري مع أن الأحكام الفرعية الكلية تقتضي عدم جواز ذلك إلا حين الوجوب العيني على كل مكلف، ومثل المنع من إدخال وإخراج العملات الصعبة ومقتضى الأحكام الشرعية الكلية جواز ذلك، ومثل المنع من إدخال وإخراج أي سلعة، ومثل فرض الجمارك والضرائب مع أن الأحكام الشرعية الأولية تقتضي حصر الضرائب بالخمس والزكاة ونحوهما مما أوجبه الشرع، ومثل تحديد الأسعار، ومنع الإدمان بأي نوع غير المشروبات الكحولية، ومنع حمل الأسلحة مهما كان نوعها، ومئات من أمثلة ذلك التي تصبح بمقتضى ذلك التقييد خارجة عن صلاحية الحكومة.
فالذي يجب قوله هنا ان الحكومة شعبة من الولاية المطلقة لرسول الله لله وهي من الأحكام الأولية المقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج، فبمقدور الحاكم ان يهدم مسجداً من اجل شق شارع، والحكومة تستطيع من طرف واحد ان تلغي العقود الشرعية التي عقدتها مع الناس حين يكون العقد مخالفاً لمصالح البلد والإسلام، ويمكنها المنع من أي أمر عبادياً كان او غير عبادي ان كان تنفيذه على خلاف مصالح الإسلام، كأن تمنع مؤقتاً من الحج الذي هو من الفرائض الإلهية المهمة حين يكون حسب تشخيصها على خلاف صلاح البلد الإسلامي”.. (2)
9- وهو الذي يشرف على الوضع الثقافي في الأمة وصيانته من أي تغرب أو بدع وتشويه، وعلى نشر المعروف ومنع المنكر: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ﴾(3).
10- وبيده طلاق المرأة من زوجها إن رفعت أمرها إليه في الموارد التي يحق لها المطالبة بالطلاق.
11- وهو ولي من لا ولي له، والولي على الأيتام والقصر والمجانين وأموال الغائبين ونحو ذلك.
وغير ذلك من الصلاحيات الثابتة لهم عليهم السلام من جهة الحكومة والقيادة.
الصلاحيات بناء على دليل الحسبة
عندما نتحدث عن صلاحيات الولي الفقيه بناءً على دليل الحسبة، فإن الحديث عادةً ينحصر في موارد ثلاثة هي:
1- أن يكون المورد من الموارد التي يتوقف عليها حفظ النظام أو من لوازم الحكومة وتشكيلاتها وإدارة البلاد.
2- أن يكون المورد من الموارد التي علمنا بحاجة المجتمع إليها حاجة ضرورية وإن لم يتوقف عليها حفظ النظام.
3- أن يكون من الموارد التي علمنا بأن الشرع لم يرض بتركها.
وعليه: فقد يقال إن صلاحيات ولاية الفقيه بناء على دليل الحسبة منحصرة فيما تتطلبه هذه الموارد الثلاثة دون غيرها، وفيما عدا ذلك من الموارد لن يجري دليل الحسبة ولن تثبت للفقيه ولاية فيها، لانه يقتصر في دليل الحسبة على القدر المتيقن، ومن هنا يُقال أيضاً: دليل الحسبة لا يثبت صلاحيات مطلقة حتى في الموارد المشار اليها سابقاً، بل لا بد وأن يقتصر على الحد الأدنى من الصلاحيات المحققة للمطلوب في تلك الموارد، بخلاف ما لو كان الدليل هو النص.
وهذا يعني أن هناك فرقاً بين الصلاحيات بناءً على دليل الحسبة وبين الصلاحيات بناءً على دليل النص فهل دعوى الفرق صحيحة؟
الذي يظهر بعد التأمل أن مقتضى دليل الحسبة أن الحاكم الذي يقوم بالدور الذي تتطلبه الحكومة وإدارة شؤونها هو الفقيه، وليس شأن العقل أن يحدد هذا الدور وحدوده، بل علينا أن ننظر أولاً هل في الإسلام ما يفيد في هذا المجال أم لا؟ فإن وجدنا لا تصل النوبة إلى حديث القدر المتيقن.
وبعبارة أخرى: هناك مرحلتان مطلوبتان للوصول إلى الصلاحيات قد تنقضيان بمرحلة واحدة وقد لا تنقضيان، وهما:
من هو الوالي في الحكومة الإسلامية ؟ وما هو رأي الإسلام في الدور والصلاحيات؟.
والأدلة اللفظية تمكنت من الإجابة عن كلا التساؤلين، أما الدليل العقلي أعني دليل الحسبة، فليس شأنه الإجابة عن السؤال الثاني بل عن السؤال الأول فقط، وإنما نحتاج إليه للسؤال الثاني إن لم نجد الإجابة في الشريعة، فإذا كانت الأدلة بمعزل عن أدلة ولاية الفقيه قد بينت هذا الأمر فإن الدليل العقلي المذكور لا يمنعنا من الأخذ بها.
فالسؤال الذي ينبغي أن يوجه: هل في الأدلة ما يدل على صلاحيات الحاكم الشرعي في الإسلام أم لا يوجد؟ فإن لم يوجد ربما صح ما تقدم من أن صلاحيات الحاكم محددة بالموارد التي يجري فيها دليل الحسبة.
والإنصاف أن الأدلة غير عاجزة عن إثبات ذلك، وذلك لأن هناك كبرى وصغرى، والكبرى تقول: هذه صلاحيات الحاكم الشرعي في الإسلام، والصغرى تقول الفقيه حاكم، وبضم هذه إلى تلك نستنتج أن هذه الصلاحيات هي أيضاً للفقيه بلا فرق بين أن تكون الصغرى ثابتة بالنصوص أم بدليل الحسبة، فالعبرة في تحديد الصلاحيات ليست بالصغرى بل بالكبرى، والكبرى يجب إثباتها إن أمكن بالنصوص والسيرة التاريخية للمعصومين عليهم السلام ونحو ذلك.
لكن الإنصاف يقتضي منا أن نعترف بأن ما قلناه خلاف المشهور، إذ المشهور بينهم أن سعة الولاية وضيقها يتبع الدليل، فإن كان الدليل نصاً لفظياً، ثبتت سعة ولاية الحاكم في الإسلام، وإن لم يوجد النص ولم يكن لنا غير دليل الحسبة وجب إجراء دليل الحسبة على كل مورد يريد الفقيه إعمال ولاية فيها.
لكن الموارد المشار إليها لا تعني أن دائرة الولاية ضيقة جداً بل هي واسعة، لكنها ليست بنفس سعة الولاية الثابتة بالنصوص.
ودائرة الولاية بناءً على الإقتصار على القدر المتيقن تشمل كل ما يتعلق بإدارة شؤون الناس العامة مما يحتاج فيه إلى الولي وهي: ما يرجع إلى النظام العام الذي يتوقف عليه توازن الحياة للمسلمين وغيرهم بما يحفظ مصالحهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية ونحوها، ويقوم به نظام حياتهم كمجتمع.
ويجري على هذا القدر المتيقن جميع أحكام الولاية.
سراية الولاية إلى ولاة الولي
هل تنحصر الطاعة في باب الولاية بخصوص الفقيه أم تتعداها إلى غيره؟ فلو عين شخصاً والياً في منطقة، فهل تسري إليه هذه الولاية بحيث يصبح واجب الطاعة مثل الفقيه أم لا؟.
قد ذكرنا فيما سبق أن من صلاحيات الولي تعيين الولاة في المناطق أو في بعض الشؤون، وبناءً على نظرية ولاية الفقيه تسري الولاية حينئذ من الفقيه إلى كل شخص يوليه أمر منطقة ما أو شأناً ما، وهذا من لوازم الولاية، ومعنى ذلك أنه لا يجوز لكل من يخضع لولاية ذلك الشخص المعين من قبل الولي، أن يخالف أمره في دائرة صلاحياته، لأن هذا الولي هو أيضاً من النواب غير المباشرين للإمام المعصوم عليه السلام، والفقيه هو النائب المباشر له.
كما أن من مقتضيات الدليل العقلي هو ثبوت حق لمن يعينهم الولي، لأن العقل مدرك أن الشخص الواحد غير المعصوم لن يتمكن من القيام بمهامه بدون أن يلجأ إلى معاونين وولاة يفوضهم بعض الصلاحيات، وأن هذا التشكيل الإداري والحكومي من لوازم تشكل الحكومة وقيامها بمهامها.
لكن لما كان هذا المنصب من المناصب الخطيرة التي قد تزل فيه أقدام البعض، كان لا بد من تنبيه الطرفين على جملة مسائل يرقى بعضها إلى مرتبة الوجوب، منها ما يخص الوالي وولاته، ومنها ما يخص الرعية والمسائل هي:
1- على الوالي وولاته أن يختاروا للمواقع المقصودة أهل الكفاءة، ومن تتوافر فيهم صفات العدالة والأمانة والعلم، فلا يولي الناس محاباة لهم حتى لا يسيء أحدهم استخدام السلطة وحتى لا يورط الناس فيما لا يريده الله تعالى.
وقد دلت على هذا المعنى مجموعة أخبار نذكر منها ما في عهد أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر: “ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة”.
2- وعليه أن يطهر بطانته من ذوي المقاصد السيئة، ففي عهد الأشتر: “إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة، فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال عنهم”.
3- وعليهم الإهتمام بالأمة بأفضل ما يمكن، مع رعاية العدل والحق، ففي عهد الأشتر: “وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة… وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة فليكن صغوك لهم وميلك إليهم”.
وفي العهد: “فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله”.
4- ويتعين أن تكون هناك صلة وصل بين الفقيه الوالي والناس حتى يتمكن الناس من شكاية الولاة إليه إن كانت لديهم شكوى، أو أن ينشر العيون على ولاته حتى يتبين للفقيه مدى صلاحية الشخص الذي ولاه، وقد كان
أمير المؤمنين عليه السلام يراقب حركة ولاته وينبههم حين يطلع على سوء تصرف منهم، ويعزلهم إن اطلع على خيانة منهم، فإن الشخص ربما كان في بدايته حسن السيرة والإيمان لكن قد تفسده السلطة.
وفي عهد الأشتر: “ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام الذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة”.
5- يتعين على الولاة أن يحسنوا الإدارة، وأن يراعوا جميع القواعد الشرعية في التعامل مع إخوانهم المؤمنين فلا تجذبهم الرئاسة إلى الإستعلاء عليهم والتكبر والغرور.
وفي عهد الأشتر: “ولا تقولن اني مؤمر فأطاع، فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة لدين، وتقرب من الغِير، وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك مما لا تقدر عليه من نفسك”.
6- كما لا يحق له التعدي عن صلاحياته بل عليه التقيد بها، ويحق للفرد أن لا يطيعه إن كان المورد خارجاً عن صلاحيات الآمر، بل قد لا يجوز أن يطيعه في هذا المورد إن كان في الأمر خطأ.
7- وعلى الذين يعينهم الولي أن يلتفتوا إلى الأموال الشرعية التي توضع تحت تصرفهم، وليتذكروا دائما شمعة بيت المال التي كان يطفؤها أمير المؤمنين عليه السلام عندما تكون إضاءتها لمنفعة شخصية بحتة لا علاقة لها بالعمل، فليلتفت الأخوة إلى هذه الأمانة فلا يهدروا الأموال ولا يكون همهم في ترف مادي، فلا يزينوا لأنفسهم أن ذلك من مصالح العمل، بل عليهم رعاية الإحتياط قدر الإمكان في هذه الأمانة التي وضعت بين أيديهم.
وفي عهد الأشتر: “وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً… وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر”.
المصادر :
1- نهج البلاغة، ج1، ص 19 بشرح محمد عبده.
2- نقلنا كلامه قدس سره مع بعض الاختصار
3- الحج:41.
/ج